تدمر في عصور قبل زنوبيا

تدمر في عصور ما قبل زنوبيا
تدمرهي عاصمة البادية المعروفة ببادية تدمر،تقع على بعد (140)كم شرق حمص وتشكل هذه البادية هضبة ارتفاعها (400- 1400)م تمتد عليها سلسلتان جبليتان بينهما سهل ممتد بطول (100)كم وعرض (20)كم كانت الجبال المحيطة بمدينة تدمر في العهود السابقة مكسوة بالأشجار وتعيش فيها الغزلان والفهود المنقطة والتي اصطيد آخر ذكر منها عام 1949.لم يستطيع الباحثون من تحديد معنى اسم تدمر ومن أين جاء فالرومان أطلقوا عليها اسم (بالميرا)المشتق من كلمة (بألم )أي النخيل والبعض الآخر اعتبره من جذر سامي هو التمر أما في التراث الشعبي فإن تدمر أصلها من كلمة (تطمر )لأنها طمرت بالرمال وهناك من اعتبر أنها تعني الأعجوبة.
إن الفضل في وجود مدينة تدمر يعود إلى نبع ماء (أفقا)عند معبر جبلي اضطراري هذا النبع شكل واحة خضراء أصبحت محطة للقوافل التي تعبر من منطقة الخليج العربي وبلاد فارس إلى البحر الأبيض المتوسط وبالعكس ،هذه الواحة الخضراء ملائمة لقيام تجمع بشري منذ العصر الحجري القديم حيث كان الإنسان في تلك الفترة يعيش في المغوار والكهوف الجبلية المجاورة لهذه الواحة لكن في الألف السابع قبل الميلاد شهد أول مساكن أقامها الإنسان في هذه الواحة وكانت بالقرب من النبع الكبريتي.
وفي الألف الثالث قبل الميلاد ورد ذكر أحد التدمريين في أحد الرقم الآشورية و في الألف الثاني قبل الميلاد ظهر اسم تدمر في وثائق مدينة ماري وذلك أيام حكم (حمو رابي)وورد ذكرها في سجلات آشورية تعود إلى الملك (تتغلات فلاصر)كما ذكرت في رقيم طيني كشف في مدينة إيمار على الفرات في نص يعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد عندما كان (سلوقس نيكاتور) ما زال يؤسس مدنا"كإنطاكية واللاذقية وأفاميا ،كانت تدمر مدينة مزدهرة وفي القرن الثاني قبل الميلاد أصبحت إمارة عربية مثل حمص والبتراء وحوران أما في القرن الاول قبل الميلاد فأصبحت تدمر مدينة على جانب كبير من الأهمية حيث كانت مركزا"لإمارة مستقلة مستغلة الفوضى التي حدثت عقب انهيار الدولة السلوقية فكان لها نظام حكم كما للمدن الإغريقية ،
نظام يقوم على على وجود مجلس الشيوخ ومجلس الشعب مع إبقاء دور للعشيرة ،وبقي هذا النظام الحضري والقبلي في آن واحد معمولا"به في تدمر حتى بعد الحاقها بروما حوالي عام (19)م حيث صارت تدفع الجزية ومحرومة من الإستقلال ليس لمؤسساتها ومجالسها أية سلطة وكانت هذه الوصاية يتجه لمصالح تدمر الإقتصادية المتشابكة مع مصالح الرومان الذين أصبحوا يسيطرون على سورية ومصر والأناضول .
في العهد الروماني أصبح طريق البادية مزدهرا"وأصبحت تدمر مستودعا كبيرا تلتقي بها كل الطرق المتجهة شرقا وغربا،لم يكن في تدمر حتى النصف الثاني من القرن الأول الميلادي حامية رومانية وكانت تحمي نفسها بنفسها بالإعتماد على قواتها من الرماة والمشاة والخيالة المشهورين والذين اشتركوا مع الفرق الرومانية في تهديم هيكل اليهود في القدس.
في عهد الامبراطور (تراجان)ضمت تدمر إلى الإمبراطورية الرومانية حوالي عام (106)و أصبحت جزءا"من ولاية سورية الرومانية وأقيم فيها حامية عسكرية وممثل عسكري يتخذ القرارات الهامة وتحول مجلس الشيوخ التدمري إلى ما يشبه المجلس البلدي .لكن في عهد الإمبراطور (هادريان) والذي مر بتدمر حوالي عام (129)م أخذت تدمر لقب المدينة الحرة وهذا يخولها جباية الضرائب بنفسها وأصبحت تحكم وتقرر بشكل مستقل حيث حصلت على كل ما تحتاجه عسكريا"وسياسيا"لتوطيد استقلالها.
ولم يكن فيها سوى مندوبا"للإمبراطور يراقب الخزانة كما في جميع المدن الحرة الواقعة ضمن الإمبراطورية الرومانية وقد سميت في هذه الفترة بتدملر الهادرينة وعرفت قدرا"كبيرا"من الإزدهار الإقتصادي بسبب كونهاالطريق الوحيد للقوافل التجارية بين مصر وجزيرة العرب وأوروبا من جهة وفارس والهند والصين من جهة أخرى وذلك بعد أن أغلق الرومان طريق البتراء بعد احتلالها فاحتكرت تدمر كل الطرق التجارية لكن لم تحظى تدمر برتبة (المعمرة العمرانية
إلا عام (212)م في عصر الإمبراطور (كاركلا) ابن الإمبراطورة السورية (جوليا دومنا) هذه الرتبة التي تجعل مدينة تدمر معفاة من دفع الضرائب ومساوية لروما.
في عام (228)م وصلت السلالة الساسانية إلى الحكم في بلاد فارس وقامت باحتلال مصبات نهري دجلة والفرات وسيطروا على شط العرب فأخذت تدمر تفقد الطرق التجارية والتي تحولت نحو الشمال عبر سهول (الرها)إلى أنطاكية عندها حاول التدمريون مؤازرت روما لإحباط مشاريع الساسانيين التوسعية لكن وضع روما لم يكن على ما يرام وبقيت تدمر في هذه الفترة عبارة عن إمارة ذات حكم ذاتي موالية لروما يحكمها (سبتموس حيدان) وهو أمير تدمري لقب (برأس تدمر)وهو والد أذينة وأخوه.
في عام (258)م يصبح أذينة حاكما على ولاية فينيقية السورية وعاصمتها حمص كان يحمل لقب عضو مجلس الشيوخ الروماني وحصل على منصب الحاكم الرفيع في عهد الإمبراطور (فاليريان)استطاع أذينة أن يقهر الجيش الفارسي الذي يقوده (شاهبور) حيث أجبره أذينة للتراجع من أنطاكية حتى إلى وراء نهر الفرات فيحصل على لقب جديد هو (مقوم الشرق كله) ولقب (ملك الملوك)وحصل أيضا على لقب إمبراطور موكلا إليه أمور الشرق كله.


في حوالي عام (267)م تم اغتيال أذينة ومعه ولده وولي عهده على يد أحد أقربائه ويدعى (مانيوس)أو (معني)طمعا"في استرداد حكم أبيه وأعلن نفسه ملكا"لكنه لم يتربع على العرش سوى بضعة أيام حيث قتله أهل حمص وهناك من يتهم زوجته الثانية (زنوبيا)بقتل زوجها أذينة وولديه من زوجته الأولى حتى تتمكن من تنصيب صغيرها (وهب اللات)على عرش تدمر